الأحد، 18 سبتمبر 2011

المدينة(التعريف والمفهوم والخصائص)

المدينة(التعريف والمفهوم والخصائص)



للمدينة ذاكرة مجسمة تغوص في المستقبل مثلما تغوص في الماضي رغم أنها دائما تعبر عن الواقع الحاضر،"أركيولوجية المدينة"تتمثل في هذه الطبقات الزمنية التي تتحول إلى واقع مادي يجعل من المدينة عبارة عن حلقات متداخلة ومتراكمة يصعب تفكيكها لكنها تبث داخلنا "الحس الزمني"بكثافة، حتى أننا لا نجد سجلا بصريا بالغ الدقة يضاهيها فهو سجل متحرك يقبل الجديد دائما ، فكل حلقة جديدة تزيد من التداخل الزمني في المدينة وتثري فيها التفاصيل الدقيقة إلى درجة أنها تمثل "السجل الاجتماعي"الذي يقدم العلاقات البينية الغير مرئية وبصورة بصرية ساكنة ظاهرا ومتحركة ومتغيرة في الداخل.
إن المدينة تعيش "هويات متعددة"نابعة من هوية كلية هي الذاكرة الثلاثية الأبعاد "زمنيا"، إلا أننا نشعر بذلك الخط الذي ينقلنا داخل جدار الزمن ، ليذكرنا كيف تشكلت المدينة نتيجة تراكم الأحداث ويقول لنا أن المدينة"حالة إنسانية طبيعية" طالما أن الإنسان دائم الحركة والتغيير وفي حالة بحث دائم عن "عمارة جديدة للأرض" الأمر الذي يفرض عليه البحث عن تقنيات جديدة باستمرار.
الإشكالية هي عندما يحدث خلل في التركيبة الزمكانية للمدينة وتصبح الحالة المشوهة هي السائدة ، فنحن لا نستطيع أن ننكر أن المدينة العربية المعاصرة ترزح تحت ضغوط حضرية تجعلها في حالة فقد دائم للكثير من المكتسبات الحضارية ، الأمر الذي يدفعها إلى المزيد من التشوه وفقد القيمة الجمالية والتاريخية التي يفترض أن تعبر عنها هذه المدن، حتى أنها صارت تفقد مخزونها التاريخي نتيجة لتقليدها للغرب وفي نفس الوقت لم تستطع اللحاق به، وكثير من أجزاء المدينة القديمة تتوارى يوما بعد يوم تحت ضغوط "التمدن"، دون الشعور بمسئولية أن المدينة هي فضاء للحياة ولا يمكن التفكير في قلب المدينة كمتحف يجب المحافظة عليه بل يجب المحافظة على مساره الزمني ومن طبائع المدن أنها تحتفظ بكل حلقاتها الزمنية .
وقد حدث انفصال عميق بين العمارة وبين من يصممها ومن يستخدمها وهو الأمر الذي جعل من المدينة العربية على وجه الخصوص تقع تحت ضغوط التحضر الذي فرضه النمو السكاني والذي أصبح ظاهرة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية ، وبذلك فقد المحيط العمراني مقدرته على توصيل حس المشاهدة وسقط في دائرة الفوضى التي جعلت العمارة مجرد وظيفة نتيجة لهذه الفوضى الحضرية.
ولقد نشأت المدن نتيجة الرغبة في التعايش كمجموعات بالنسبة للأفراد ،ولتحقيق الاستقرار الذي كان يحاول الإنسان القديم جاهدا الحصول عليه، فمن الريف والصحراء والغابات ، بدأ ينتقل تدريجيا للوصول إلى مفهوم جديد للتعايش، يضمن استقراره، ويحقق له في نفس الوقت الحماية من كل المؤثرات الخارجية ، فكان تخطيط المدن القديمة ينطلق من نوعين :التخطيط الدائري والتخطيط ذو المحاور المتعامدة أنظر الشكل-1-.ولقد وجهت الدراسة دائما الباحثين للسؤال:متى وأين وتحت أي ظروف ظهرت هذه المدينة وماذا أسهمت به في تاريخ المنطقة أو العصر؟وهل هناك نمو تطوري أو دوري في التاريخ الإنساني مرتبط بظهور المدن أو نموها ؟ إن قيام المدن ونموها مسألة يصعب أن نتتبعها بدرجة ملحوظة لأسباب عديدة، ومما لاشك فيه أن المدن انبثقت تعبيرا عن ظروف روحية ومادية واجتماعية وسياسية ، وانعكست هذه الصور على تغير المدن ونمو العمارة ، وأكد بارنز:"أن العمارة هي سجل لعقائد المجتمع"، ويقصد بنشأة المدن:"هي مرحلة المدينة في فجر قيامها"، وتتميز بانضمام بعض القرى لبعضها البعض، واستقرار الحياة الاجتماعية إلى حد ما ،وقد قامت المدينة في هذه المرحلة بعد اكتشاف الزراعة وقيام الصناعات اليدوية. شكل -1- نشأة المدن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق