السبت، 22 أكتوبر 2011

محور الطبيعة ( تدمير الطّبيعة وآثاره السّلبيّة )

تدمير الغابات في تنزانيا تهديد للطبيعة الخلابة

 

تواجه الغابات الجبلية الفريدة من نوعها في تنزانيا تهديداً كبيراً، فقد تم القضاء على أكثر من ثلثي كمية الأشجار بها. والآن بات من الضروري التدخل لوقف هذا التدمير للطبيعة.

 

من يسافر بالطائرة من كينيا إلى تنزانيا ويسعده الحظ في أن تكون السماء خالية من الغيوم خلال تحليقه فوق قمة جبل كليمنجارو، يمكنه رؤية مناظر طبيعية خلابة للغاية. فمن وسط ذلك المحيط الأخضر يبرز أعلى جبل في إفريقيا بقمته الضخمة المغطاة بالثلوج. لكن هذا المنظر، الذي يظهر جمال الطبيعة، يواجه تهديداً كبيراً، فمساحة تلك القمة الجليدية التي تغطي هذا الجبل آخذة بالانحسار. ويقدر الخبراء أن الجبل سيفقد خلال العقدين أو الثلاثة عقود القادمة طبقته الجليدية تماماً لبعض الوقت كل عام، وهذا يحدث للمرة الأولى منذ 11 ألف عام. وفي هذا الإطار يقول عالم الأحياء الدكتور كريستوف شينك من معهد علم الحيوان في فرانكفورت محذراً: "نرى أن التغير المناخي وصل إلى إفريقيا منذ وقت طويل وأنه حان الوقت لفعل شيء ما".
 اختفت الغابات من الكثير من المنحدرات في تنزانياBildunterschrift: اختفت الغابات من الكثير من المنحدرات في تنزانيا

جبال القوس الشرقي باتت تشكل "نقطة ساخنة"

يعد تراجع مساحات الغابات الجبلية أحد أسباب التغير المناخي كما أنه يشكل في الوقت ذاته تهديداً كبيراً لتنزانيا. وتشكل جبال القوس الشرقي سلسلة جبلية تمتد عبر كل مساحة تنزانيا تقريباً، وقد غطت الغابات مساحات منها منذ أكثر من ثلاثين مليون عام، حسب تقديرات العلماء. وتم الاعتراف عالمياً بأن هذه الجبال باتت تشكل "نقطة ساخنة"، وهي عبارة عن مراكز بركانية نشطة تظهر في بعض الأماكن على الأرض بسبب وجود ارتفاع غير عادي في درجات الحرارة في بقعة في أعماق الغلاف الأرضي، وتختلف عن المراكز البركانية المعتادة.

 وكون هذه الجبال تشكل "نقطة ساخنة" يعني أمرين، أولهما هو أن الغابات الموجود على هذه الجبال غنية بأنواع مميزة من النباتات والحيوانات، فهناك تنمو نباتات وتعيش حيوانات، غير موجودة في أماكن أخرى من العالم. إلا أن هذا المصطلح يشير أيضاً إلى أن نمو النباتات في هذه الغابات بات مهدداً، وقد تم بالفعل تدمير أكثر من ثلثي غابات تنزانيا.
  
لكن هذه الغابات تلعب دوراً مهماً في النظام المائي في هذا البلد الإفريقي، فهي تقوم بدور قطعة الإسفنج، التي تخزن مياه الأمطار خلال فترة سقوطها، وتخزنها حتى فترة الجفاف، كما أنها تجعل مياه الأمطار تنحدر ببطء في الوديان، ما يمنع حدوث فيضانات. إضافة إلى ذلك تعد هذه الغابات الجبلية، كغيرها من الغابات، خزاناً مهماً لثاني أكسيد الكربون، ما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري.


تبعات إزالة الغابات

كليمنجارو أعلى جبل في أفريقيا، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 5895 متراًBildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  كليمنجارو أعلى جبل في أفريقيا، حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 5895 متراً وبإزالة مساحات واسعة من الغابات، تفقد سلسلة جبال القوس الشرقي مهمتها الأسفنجية هذه، فخلال فترة سقوط الأمطار، تحدث فيضانات قوية للغاية، وتغمر المياه جزئياً المناطق المنخفضة، كما تتبع تلك الفترات المطيرة، موجات جفاف طويلة وقاسية. كذلك، فإن الأنهار النابعة من هذه الجبال تجف نسبياً، فلا تزود المدن الكبرى مثل دار السلام وودودما بكمية المياه الكافية، مثلما كان الأمر في الماضي.
  
ويعد تدمير الغابات الجبلية مشكلة محلية، متأتية من سببين رئيسيين، أولهما قيام السكان بتوسيع رقعة الأراضي الصالحة للزراعة بشكل كبير من المنخفضات صعوداً إلى الجبال. إضافة إلى ارتفاع الحاجة الماسة إلى الطاقة بشكل كبير، فالوقود التقليدي المستخدم في الطهي في تنزانيا هو الفحم الخشبي، الذي يجلبه الفحامون من الغابات في الجبال لبيعه في مدن تنزانيا. وتعود الحاجة إلى توسيع رقعة الأرض المستغلة في الزراعة والطلب المتزايد على الفحم إلى الطفرة السكانية الكبيرة في منطقة جبال القوس الشرقي.


محاولات لحماية غابات تنزانيا

وقد أدركت حكومة تنزانيا المشكلة الناجمة عن زيادة عدد السكان والحاجة المتزايدة إلى الموارد الطبيعية، وعرفت أن عليها أن تسعى لحماية البيئة الطبيعية من مصلحة ذاتية بحتة، فهناك أيضاً من المعروف أن تدمير الطبيعة يدمر حياة البشر على المدى البعيد. ومن أجل الحفاظ على البيئة الطبيعية لجبال القوس الشرقي أسست الحكومة مؤسسة بحثية، تُدعى "صندوق حماية جبال القوس الشرقي" (EAMCEF)، ويتمثل هدف هذه المؤسسة في التمويل الطويل الأمد للمشاريع التي تخدم الحفاظ على الغابات الجبلية.

الحرائق الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة تشكل تهديداً كبيراً لغابات جبال الأولوغوروBildunterschrift: الحرائق الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة تشكل تهديداً كبيراً لغابات جبال الأولوغورو

لكن فاعلية المشاريع الممولة من قبل مؤسسة "صندوق حماية جبال القوس الشرقي" تبقى محدودة، فيما يتعلق بإيقاف تدمير الغابات الجبلية، ناهيك عن إعادة تشجيرها. لذلك يرى الكثير من الخبراء أن تنزانيا ما تزال بحاجة إلى المزيد من المعونات الخارجية. وعلى سبيل المثال تقوم وزارة البيئة الألمانية في الوقت الحالي بتمويل عمليات تدريب "حماة الغابات"، الذين يتم تدريبهم على النواحي العملية لكيفية استغلال الغابات في ضوء التغير المناخي. كذلك تمت دعوة الأشخاص الذين يعيشون في محيط منطقة المحميات إلى المشاركة في اتخاذ القرارات وتطبيقها، وإلى تقليل اعتمادهم على الموارد الطبيعية للغابات.


تصدير الخبرة الألمانية في الاستثمار المستدام للغابات

يذكر أن ألمانيا تتمتع بخبرة طويلة في استغلال الغابات بشكل مستدام ولذلك يمكنها أن تقدم لتنزانيا مساعدة مهمة في هذا المجال. فقبل أكثر من مائتي عام تم اعتماد مصطلح "الاستغلال المستدام" فيما يتعلق بالغابات في ألمانيا، والمقصود بهذا المصطلح هو استخدام تلك الغابات بطريقة تجعلها تحتفظ بطبيعتها وتنمو بشكل طبيعي ومستمر.

وفي ما يسمى بتقرير بروندتلاند الصادر عن الأمم المتحدة، يرد في فقرة مهمة: إن التطور المستدام يجب "أن يتفق مع حاجات الجيل الحالي، من دون تعريض إمكانيات الأجيال المستقبلية للخطر في الاكتفاء بحاجاتهم الخاصة واختيار أسلوب معيشتهم". وفي هذا السياق يقول عالم الأحياء شينك: "إن هذا سيعني على سبيل المثال أن تجد للأجيال المقبلة نفس المساحة من الغابات الجبلية في تنزانيا، كتلك التي لدينا الآن".

الكاتب: مارتين شاردر/ عماد م. غانم
مراجعة: سمر كرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق